القيادة الحقيقية في عالم الأعمال: بين الاحترام والشعبية

القيادة الحقيقية في عالم الأعمال: بين الاحترام والشعبية

بقلم: علي كاظم | alikadhem.blogspot.com

مقدمة: من هو كيريل أوليري؟

كيريل أوليري (Kieran O’Leary) ليس اسماً غريباً في عالم ريادة الأعمال والاستشارات الإدارية. يُعدّ أحد أبرز الخبراء في تطوير الشركات الناشئة وتحويلها إلى عمالقة في السوق، وقد عمل مع شركات عالمية كبرى مثل Apple وGoogle وVirgin Group، حيث قدم استشارات استراتيجية حول النمو، القيادة، وبناء الفرق. يُعرف أوليري بأسلوبه الصريح، الواقعية القاسية، والتركيز على النتائج بدلًا من العلاقات الاجتماعية.

في مقابلة حديثة مع مجلة فورتشن (Fortune)، أثار أوليري جدلاً واسعًا بتصريحه الصادم:

"لا أعتقد أن من تعمل معهم يجب أن يكونوا أصدقاءك. ما يهم هو الاحترام، وأن تقودهم نحو النجاح وتحقيق أهدافهم."

وأضاف:

"النجاح لا علاقة له بمدى شعبيتك... لا يمكنك أن تقلق بشأن من تجرح مشاعره، عليك أن تنجز المهمة."

هذه التصريحات فتحت بابًا واسعًا للنقاش حول طبيعة القيادة في بيئة الأعمال الحديثة: هل يجب أن يكون القائد "محبوبًا" أم "فعالًا"؟ وهل الصداقة مع الفريق تُعزز الأداء أم تُضعف الحدود المهنية؟

تحليل التصريح: الاحترام مقابل الصداقة

أوليري يضع يده على نقطة جوهرية في القيادة: الاحترام المهني لا يُستبدل بالصداقة. ففي بيئة العمل، لا يمكن لعلاقة صداقة حميمة أن تُغطي ضعفًا في الأداء، أو أن تمنع اتخاذ قرارات صعبة مثل الفصل أو التقييم النقدي.

✅ نقاط القوة في فلسفة أوليري:

  1. التركيز على النتائج: يُعتبر أوليري من أنصار "القيادة النتائجية" (Results-Driven Leadership)، حيث يُقاس النجاح بالإنجازات لا بالمشاعر. وفقًا لدراسة نشرتها هارفارد بزنس ريفيو (HBR)، فإن القادة الذين يركزون على النتائج يحققون أداءً أعلى بنسبة 30% مقارنةً بالقادة الذين يركزون على العلاقات (HBR, 2020)
    https://hbr.org/2020/07/results-driven-leadership
  2. الشفافية والوضوح: عندما تكون الحدود واضحة بين الصداقة والعمل، يصبح من السهل اتخاذ قرارات صعبة دون تحيّز عاطفي.
  3. الحِرية في الابتكار والنقد: بيئات العمل التي لا تعتمد على "المحسوبية" أو "العلاقات الشخصية" تسمح بالرأي الحر، مما يُعزز الابتكار.

❌ نقاط الضعف والانتقادات:

  1. إهمال الجانب العاطفي: بعض الخبراء مثل سيمون سينك (Simon Sinek)، مؤلف كتاب *"ابدأ بلماذا"*، يرى أن القيادة الناجحة تُبنى على "الثقة العاطفية" وليس فقط الاحترام. يقول سينك: "الناس لا يعملون من أجل المال، بل من أجل الشعور بالأمان والانتماء"
    https://www.ted.com/talks/simon_sinek_how_great_leaders_inspire_action
  2. خطر فقدان الولاء: إذا كان الموظفون يشعرون بأنهم "أرقام" وليسوا أفرادًا، فقد ينخفض ولاؤهم، مما يزيد من معدل الدوران الوظيفي (Employee Turnover). دراسة من جاليوب (Gallup) أظهرت أن 52% من الموظفين يغادرون وظائفهم بسبب نقص التقدير العاطفي من المديرين
    https://www.gallup.com/workplace/236441/employee-engagement-key.aspx
  3. السياق الثقافي مهم: في بعض الثقافات، مثل الثقافة العربية أو الآسيوية، تُعتبر العلاقات الشخصية جزءًا أساسيًا من بيئة العمل. تجاهل هذا الجانب قد يؤدي إلى فجوة في التواصل.

السياسة الأنجع في عالم الأعمال: التوازن أم القسوة؟

هل يجب أن نتبع نهج أوليري بالكامل؟ أم أن هناك طريقًا وسطًا؟

الإجابة، وفقًا لخبراء في علم النفس التنظيمي، تكمن في القيادة التكيفية (Adaptive Leadership). أي أن القائد يجب أن يكون قادرًا على:

  • الحزم عند الحاجة (كما يدعو أوليري)،
  • والتواصل العاطفي عند الضرورة (كما يدعو سينك).

مثال: في أوقات الأزمات أو ضغط المشاريع، قد يكون من الضروري تجاهل "المشاعر" والتركيز على الإنجاز. أما في أوقات الاستقرار، فالاستثمار في العلاقات يُعزز الولاء والإبداع.

القاعدة النفسية: لماذا يختلف الناس في رأيهم؟

هنا تظهر القاعدة النفسية المعروفة بـ "نظرية التوقعات العاطفية" (Emotional Expectancy Theory):

  • أوليري ينتمي إلى فئة القادة الذين ينظرون إلى العمل كـ "مهمة" (Task-Oriented). لديهم توقعات منخفضة بالتقدير العاطفي، ويركزون على الكفاءة.
  • أما من يعارضونه (مثل سينك)، فينتمون إلى فئة القادة "المرتكزين على العلاقات" (Relationship-Oriented)، ويعتقدون أن الدافع الداخلي للموظف يُبنى على الشعور بالتقدير والانتماء.

كلا النهجين لهما أساس نفسي واجتماعي، ولا يمكن اعتبار أحدهما "صحيحًا تمامًا".

آراء متخصّصين: دعم ونقد

الخبير الرأي المصدر
د. آدم غرانت (organisational psychologist) "القادة الناجحون يجمعون بين القوة والتعاطف. القيادة ليست إما/أو، بل كلاهما." adamgrant.net
مارشال جولدمان (محلل اقتصادي) "أوليري يُجسّد روح الرأسمالية الحديثة: النتائج فوق كل شيء. لكن هذا قد يُدمّر ثقافة الشركة على المدى الطويل." Bloomberg, 2023
ليندا هيل (بروفيسورة في HBS) "القادة الحقيقيون يخلقون بيئات يشعر فيها الناس بالحرية في الفشل والتعلم. وهذا لا يأتي من القسوة." HBS Faculty Profile

خلاصة: ما العمل؟

كيريل أوليري يقدّم تحذيرًا مهمًا: لا تخلط بين "النجاح" و"المحبوبية".

لكن في المقابل، يجب ألا ننسى أن الناس هم رأس المال البشري، وليسوا مجرد أدوات إنتاج.

السياسة الأنجع في عالم الأعمال اليوم ليست في انتخاب "القائد القاسي" أو "الصديق اللطيف"، بل في أن تكون قائدًا ذكيًا عاطفيًا (Emotionally Intelligent Leader)، يُقدّر الأداء، ويُحترم الإنسان.

ما رأيك؟ هل تؤيد نهج أوليري الصريح، أم ترى أن القيادة يجب أن تكون أكثر تعاطفًا؟
شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تنسَ زيارة مدونتي للمزيد من المقالات:
https://alikadhem.blogspot.com

المراجع والمصادر

  1. Fortune Magazine – Interview with Kieran O’Leary (2023)
    https://fortune.com/leadership/kieran-oleary-interview/
  2. Harvard Business Review – "Results-Driven Leadership" (2020)
    https://hbr.org/2020/07/results-driven-leadership
  3. Gallup – "State of the Global Workplace" (2023)
    https://www.gallup.com/workplace/236441/employee-engagement-key.aspx
  4. TED Talk – Simon Sinek: "How great leaders inspire action"
    https://www.ted.com/talks/simon_sinek_how_great_leaders_inspire_action
  5. Adam Grant – "Give and Take: Why Helping Others Drives Our Success"
    https://www.adamgrant.net
  6. Harvard Business School – Linda Hill Profile
    https://www.hbs.edu/faculty/Pages/profile.aspx?facId=6528

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

**💚جهاز إزالة الشعر بتكنولوجيا الذبذبات:💚 الحل الأمثل لبشرة ناعمة ومثالية!💚**

فرصتك لبدء مشروعك الرقمي وبناء دخل مستمر – بدون خبرة تقنية

**🔪 استعد لتحويل مطبخك إلى محطة طبخ احترافية مع قطاعة الخضار اليدوية! 🍠🥕**