لماذا يكره وارن بافيت الذهب؟ الحقيقة الصادمة التي لا يخبرك بها أحد!
لماذا يكره وارن بافيت الذهب؟ الحقيقة الصادمة التي لا يخبرك بها أحد!
عندما نتحدث عن الاستثمار، يُعد اسم وارن بافيت من الأسماء التي تتردد دائمًا كرمز للحكمة المالية والرؤية الاستراتيجية البعيدة المدى. لكن ما قد يفاجئك هو أن هذا العبقري المالي، الذي يُلقب بـ"أوراكل أوماها"، يحمل رأيًا صادمًا جدًّا حول أحد أكثر الأصول التقليدية شهرة في التاريخ: الذهب.
نعم، لقد سمعت جيدًا! وارن بافيت لا يُقدّر الذهب، بل يعتبره استثمارًا عقيمًا، لا بل وصفه ذات مرة بأنه "حجر لامع" لا يُنتج شيئًا. فهل هذا الرأي مُبرر؟ أم أن بافيت يتجاهل خصائص الذهب الفريدة كملاذ آمن في أوقات الأزمات؟ دعنا نغوص معًا في هذا الجدل المثير، ونحلّل وجهتي النظر بعقلانية وشفافية.
الذهب في عيون بافيت: "حجر لا يُنتج شيئًا"
في إحدى رسائله السنوية لمساهمي شركة بيركشير هاثاواي، صرّح بافيت قائلًا:
"إذا امتلكت كل ذهب العالم — الذي يبلغ وزنه حوالي 170 ألف طن — فستتمكن من بناء مكعب طول ضلعه 67 قدمًا. يمكنك النظر إليه، لكنه لن يفعل شيئًا لك. لن يُنتج طعامًا، لن يُولد أرباحًا، ولن يدفع لك توزيعات أرباح. بينما لو اشتريت بدلًا منه أراضٍ زراعية، أو شركات، أو حتى عقارات، فستحصل على عوائد مستمرة."
هذه العبارة تختزل فلسفة بافيت الاستثمارية بأكملها: الاستثمار يجب أن يُنتج قيمة. الذهب، في نظره، لا يُنتج شيئًا. لا يدفع فوائد، لا يدرّ أرباحًا، ولا ينمو. قيمته تعتمد فقط على رغبة شخص آخر في شرائه بسعر أعلى لاحقًا — أي ما يُعرف بـ"نظرية اليد الأكبر" (Greater Fool Theory).
لكن... هل الذهب حقًّا عديم الفائدة؟
رغم وجاهة حجة بافيت من منظور إنتاجية الأصول، إلا أن منتقديه يشيرون إلى أن الذهب يلعب دورًا مختلفًا تمامًا في المحفظة الاستثمارية. فهو ليس أصلًا إنتاجيًا، بل أصلًا وقائيًا.
خلال الأزمات الاقتصادية الكبرى — مثل الأزمة المالية العالمية عام 2008، أو جائحة كورونا عام 2020 — شهد الذهب ارتفاعات هائلة في قيمته، بينما انهارت أسواق الأسهم. في تلك اللحظات، لم يكن المستثمرون يبحثون عن "إنتاجية"، بل عن أمان وسيولة وتحصين ضد التضخم.
الذهب لا يُقارن بالأسهم أو العقارات من حيث العوائد طويلة المدى، لكنه يُقارن بها من حيث الاستقرار. إنه بمثابة "التأمين" على محفظتك. لا تتوقع منه أن يُثريك، لكنه قد ينقذك حين ينهار كل شيء من حولك.
الذهب مقابل الأسهم: معركة الفلسفات
الخلاف بين بافيت ومحبّي الذهب ليس تقنيًّا، بل فلسفي. بافيت يؤمن بأن رأسمالك يجب أن يعمل نيابة عنك، وأن يُولّد تدفقات نقدية مستمرة. أما مؤيدو الذهب فيرون أن النظام المالي الحديث — القائم على العملات الورقية والديون — هشٌّ بطبيعته، وأن الذهب يبقى الملاذ الوحيد الذي صمد عبر آلاف السنين.
ومن المثير أن بافيت نفسه لا ينكر تمامًا دور الذهب كملاذ آمن، لكنه يرى أن هناك أدوات أفضل بكثير لتحقيق هذا الهدف. فمثلًا، يُفضّل بافيت الاستثمار في شركات قوية ذات علامات تجارية دائمة (مثل كوكاكولا أو آبل) لأنها تمتلك القدرة على رفع أسعار منتجاتها مع التضخم، وبالتالي حماية القوة الشرائية للمستثمر.
هل بافيت محق؟ دعونا ننظر إلى الأرقام
من عام 1971 — عندما ألغى الرئيس الأمريكي نيكسون ربط الدولار بالذهب — حتى اليوم، حقق مؤشر S&P 500 عوائد سنوية مركبة تقارب 10%، بينما حقق الذهب عوائد سنوية تقارب 7.8%. لكن هذه المقارنة تتجاهل شيئًا مهمًّا: التقلبات.
الذهب أقل تقلّبًا من الأسهم على المدى القصير، خاصة في فترات الذعر المالي. كما أن ارتباطه السلبي مع الأسهم يجعله أداة فعّالة لتنويع المحفظة وتقليل المخاطر الكلية.
بمعنى آخر: إذا كنت تبحث عن الثراء على المدى الطويل، فالأسهم (خاصة وفق منهج بافيت) هي الخيار الأفضل. أما إذا كنت تبحث عن الحماية من الكوارث المالية، فالذهب قد يكون "الحجر اللامع" الذي يُضيء في الظلام.
الذهب في عالم اليوم: هل لا يزال ذا صلة؟
في عصر العملات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والأسواق المالية المعقدة، قد يتساءل البعض: هل لا يزال للذهب مكان؟
الجواب: نعم، بل ربما أكثر من أي وقت مضى. فمع تزايد الديون السيادية، وانخفاض أسعار الفائدة، وارتفاع التضخم في العديد من الاقتصادات، يعود المستثمرون إلى الذهب كوسيلة للتحصين. حتى البنوك المركزية — التي كانت تبيع الذهب في التسعينيات — بدأت تشتريه بكميات كبيرة في العقد الماضي.
الذهب اليوم ليس مجرد معدن أصفر، بل رمز للثقة في عالم يزداد فيه عدم اليقين.
خلاصة: ليس "أو"، بل "و"
الرأي الصادم لوارن بافيت عن الذهب لا يعني أن الذهب بلا قيمة، بل يعكس فلسفته الاستثمارية التي تركز على الأصول المنتجة. لكن هذا لا يلغي الدور الحيوي الذي يلعبه الذهب كأداة تحوط وتنويع.
المستثمر الذكي لا يختار بين الذهب أو الأسهم، بل يدمج بينهما بحكمة. فبينما تبني الأسهم ثروتك، يحمي الذهب ما بنيته.
في النهاية، الاستثمار ليس علمًا دقيقًا، بل فنٌّ يتطلب توازنًا بين العقل والعاطفة، بين الطمع والحذر. وربما يكون الذهب — حتى لو كان "حجرًا لامعًا" — هو ذلك التذكير الأبدي بأن بعض القيم لا تتغير، مهما تطور العالم من حولنا.
تعليقات