هل الكذب مرض؟
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
| هل الكذب مرض؟ |
هل الكذب مرض؟
في الحياة اليومية، قد يلجأ كثير من الناس إلى الكذب لأسباب متنوعة — تجنباً للمشاعر السلبية، حمايةً للآخرين، أو حتى لتحقيق مكاسب شخصية. لكن ماذا لو تحول الكذب إلى سلوك تلقائي، لا إرادي، وغير قابل للتحكم؟ هنا ندخل في منطقة الكذب المرضي، أو ما يُعرف في الأدبيات النفسية بـالميتو مانيا (Mythomania).
ما هو الكذب المرضي (الميتو مانيا)؟
الكذب المرضي ليس مجرد عادة سيئة، بل هو اضطراب سلوكي نفسي يتميز بكذب متكرر وغير مبرر، حتى في الحالات التي لا يحقق فيها الكاذب أي فائدة واضحة. الكلمة "Mythomania" تتكوّن من "mythos" (الأسطورة باللغة اليونانية) و"mania" (الهوس باللاتينية)، وتشير إلى حالة يُبالغ فيها الشخص في سرده للقصص إلى حدّ الخيال.
الفارق الجوهري بين الكاذب العادي والكاذب المرضي يكمن في الوعي. فالكاذب العادي يعرف أنه يكذب، أما الكاذب المرضي فقد يخلط بين الواقع والخيال لدرجة أنه يصدق ما يقوله، أو يُقنع نفسه بأنه صحيح — على الأقل في سياق اجتماعي معين.
أعراض وسمات الكذب المرضي
- الكذب بسلاسة ودون تردّد أو خجل.
- الاعتقاد — جزئياً أو كلياً — بصحة الأكاذيب التي يرويها.
- عدم الشعور بالذنب أو الندم حتى عند انكشاف الكذبة.
- لا يظهر عليه علامات التوتر المعتادة عند الكذب (كالتوتر، الاحمرار، أو التلعثم).
- الرغبة الشديدة في جذب الانتباه والظهور بمظهر البطل أو الضحية.
- بناء قصص درامية معقدة، غالبًا ما تدور حول إنجازات خيالية أو مآسٍ مبالغ فيها.
- عدم القدرة على التمييز الواضح بين الحقيقة والخيال في بعض الحالات.
من المثير للاهتمام أن الكاذب المرضي قد يجتاز اختبار كشف الكذب (Polygraph) بنجاح، ليس لأنه لا يكذب، بل لأنه قد يصدق جزءاً كبيراً من قصته، مما يقلل من الاستجابات الفسيولوجية المرتبطة بالكذب المتعمد.
هل يُصنَّف الكذب المرضي كمرض نفسي مستقل؟
وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، لا يوجد تشخيص منفصل باسم "الميتو مانيا". بل يُعتبر الكذب المرضي عادةً جزءاً من اضطرابات شخصية أخرى، مثل:
- اضطراب الشخصية الهستيرية (Histrionic Personality Disorder): حيث يسعى الشخص باستمرار لجذب الانتباه.
- اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder): مع ميل لتكبير الإنجازات وصنع صورة مثالية عن الذات.
- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder): في حالات الكذب لأغراض احتيالية أو استغلالية.
الأسباب المحتملة للكذب المرضي
لا تزال الأسباب الدقيقة غير مفهومة بالكامل، لكن يُعتقد أن مجموعة من العوامل تلعب دوراً:
- عوامل نفسية: مثل الصدمات في الطفولة، أو الحاجة إلى الهروب من واقع مؤلم.
- عوامل اجتماعية: كالتعرض لانتقادات لاذعة أو نقص التقدير، مما يدفع الشخص لبناء "ذات بديلة".
- عوامل عصبية: بعض الدراسات تشير إلى خلل في مناطق الدماغ المرتبطة بالتحكم في السلوك والتخطيط (مثل القشرة الجبهية).
كيف يُعالج الكذب المرضي؟
نظراً لأن الكاذب المرضي نادراً ما يعترف بأنه يعاني من مشكلة، فإن العلاج يُعد تحدياً كبيراً. لكن العلاج النفسي — خصوصاً العلاج المعرفي السلوكي (CBT) — قد يساعد في:
- زيادة الوعي بالسلوك الكاذب.
- فهم الدوافع الخفية وراء الكذب.
- تطوير مهارات التواصل الصادق والتعامل مع المشاعر دون اللجوء إلى الكذب.
في بعض الحالات، قد يُوصى بعلاج اضطرابات الشخصية المرتبطة، أو حتى استخدام أدوية نفسية إذا وُجدت أعراض اكتئاب أو قلق مصاحب.
الخلاصة
الكذب المرضي ليس "مرضاً" بالمعنى الجرثومي أو الفيزيولوجي، لكنه اضطراب نفسي حقيقي له تأثيرات مدمرة على العلاقات، السمعة، وحتى الصحة النفسية للفرد. الفهم، التعاطف، والتدخل المبكر هم المفتاح لمساعدة من يعانون من هذه الحالة.
لذا، حين نسأل: "هل الكذب مرض؟"، فالإجابة ليست نعم أو لا ببساطة. بل: نعم، يمكن أن يكون مظهراً لمرض نفسي يحتاج إلى فهم ورعاية.
تعليقات